النوازع والمصالح: حجج سياسية للرأسمالية قبل انتصارها

 إن كتاب النوازع والمصالح عرض للطريقة التي استؤنف بها الحوار بعد مكيافلي، وقُبيل التحول الكبير وفي خضمِّه، وجمعٌ لأصدائه التي ترددت في القرنين السابع عشر والثامن عشر وعرض لها في صورة ملحمية تُذكِّر بذلك الحوار وتنطلق منه، فكتابه هذا عرض للحلقة الفكرية المفقودة بين مكيافلي وبين التحول الكبير، بين النموذج الدوري للتاريخ ونموذجه الخطي.

ولئن كان ميدان الحوار الأول بين ابن خلدون ومكيافلي منصبًّا على جدلية الحضارة والبداوة ومخرجاتها في ميدان الاجتماع الإنساني، فقد انصبَّ بعد مكيافلي على جدلية النوازع في ميدان النفس البشرية الواحدة. وقد بدا هذا الحوار الجديد - كما بيّن هيرشمان ببراعة - آخذًا من منهجية مكيافلي في التعامل مع التاريخ وحركته الدورية؛ فكما بحث مكيافلي عن هيئة سياسية تديم استقرار الدولة ولا تجعلها رهنًا بالقوى التي تنشئها، فكذلك كان بحث الفلاسفة والمفكرين بعده عن هيئة نفسية لا تجعل الإنسان رهنًا بالنوازع التي تحرّكه. كيف يمكن تدجين الإنسان لتناسب طبيعته طبيعة الدولة المستقرة ونهاية التاريخ؟