الأيديولوجيا وتمثيلاتها الفلسفية

تؤرخ هذه الدِّراسة فكرياً، وتفرز، الظهور والتشكّل لطرائق تفكير تيارات أيديولوجية رئيسة في الفكر العراقي الحديث، وتزيد على ذلك الدَّرسَ والتحليلَ لتمثيلاتها الفلسفية، انطلاقاً من إيمانٍ بأنّ الأفكار الفلسفية جزءٌ من تاريخ المجتمع الذي ظهرت فيه، تحاول أن تفسِّره وتغيِّره. وكانت المسألة السياسية الاجتماعية محور هذا التأريخ الفكري. ويوفّر هذا التناول إمكان تبيّن ملامح خارطة التّفكير الفلسفي في بيئة اجتماعية سياسية ربّما لا تتوفر عليها مقتربات أخرى تميل إلى النّظر في الفكر المجرّد على نحوٍ مجرّد. إنَّ المساحة التي شغلتها الكتابة الفلسفيّة في الفكر العراقي الحديث، والأدوار التي تكفّلت بتحقيقها، تُفهَم على خيرِ وجه على خلفية حركة تاريخ المجتمع. فالفكر ممارسة سياسيّة بالدَّرجة الأولى، ولا سيّما في مجتمعات تنهض وتثور وتسعى إلى تثبيت نظام سياسي اجتماعي معيّن، وهذا مسعى خلافيٌّ دائماً، وسلك في الحالة العراقية مسلكاً وعراً. لم يكن للفلسفة والمتفلسفة العراقيّين أيُّ حضور في جميع الدِّراسات التي تناولت الثقافة العراقية أو الفكر العراقي، وحتى إذا جَرى تناول أحدهم، سواء أكان أكاديميًّا أم غير أكاديميٍّ، فإنّ ما يُتناول منه المشاركة السياسية المحضة من غير دراسة إسهاماته في حقل الفلسفة، التي كانت دائماً دعامات رؤيته الأيديولوجية والسياسية. لذلك كانت هذه الدِّراسة محاولة لتنصيص الفلسفة في العراق جزءاً من نصّية الفكر العراقي الحديث كلِّه. ويجري ذلك كلّه غيرَ بعيدٍ عن (بل يقع في قلب) تشكّل الدَّولة ومؤسساتها السياسية والتربوية والعسكرية، وغيرَ بعيدٍ عن المآزق البنيوية والتّاريخية التي وجدت الدّولة نفسها فيها، أو تلك التي عمدت الدّولة نفسها إلى خلقها ضمن عمليات تعريف اجتماعية إقصائية في الغالب، تكتسب من خلالها شرعية معينة. ليست الدولة وعاءً يحدث فيه الفكر، بل هي تسهم في تشكيل الفكر ويشكلها هو أَيضًا. كلُّ ذلك أكسبَ الدِّراسة ملامسة حدث الفكر بوصفِهِ حدثًا في التاريخ: اجتماعيًّا وسياسيًّا.