مختارات من الشعر الروسي من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر

يعتبر القرن التاسع عشر مرحلة ذهبية في تاريخ الأدب الروسي. فلقد أنجب هذا القرن الكثير من العظماء الذين تجاوزوا بعبقريتهم وإبداعهم الأدبي حدود روسيا لتنتشر نتاجاتهم في شتى أنحاء العالم وبمختلف اللغات. ومن بين هؤلاء الكتاب والشعراء كان بوشكين، ليرمنتوف، غوغول، بيلينسكي تولستوي، دوستويفسكي، تورغينيف، تشيخوف، وغيرهم الكثير. ولقد حقق الأدباء الروس في النصف الأول من القرن التاسع عشر الكثير من النجاحات الأدبية الإبداعية، ويرتبط هذا إلى حد بعيد بتطور الفكر الاجتماعي في المجتمع الروسي خلال هذه المرحلة، ولم يحدث هذا مصادفة، ففي العقدين الأولين من القرن التاسع عشر شهدت أوروبا الكثير من الأحداث الهامة والخطرة. ومنها الانتفاضات والثورات الفلاحية، ومنها النهضة الوطنية لدى الشعوب، وكذلك حرب 1812.

وفي هذين العقدين تكون الجيل الأول من الثوار الروس الذين تفهموا جيداً، لأنه من غير الممكن العيش في ظل النظام القيصري الديكتاتوري الجائر.

أما في عالم الأدب فلقد انعكست هذه التطورات بشكل واضح وأكثر من أي مجال آخر، وخاصة أن الشعراء، أمثال بوشكين وليرمنتوف وريلييف، ويستوجيف وغيرهم أخذوا ينشدون الأغاني والأشعار الثورية التي تناقلتها الألسن عبر مساحات روسيا الواسعة، ولم يخف هؤلاء الشعراء من بطش السلطة القيصرية فهبوا، وكل من صوبه ينتقدون الظلم والتسلط والقهر الذي كانت تمارسه سلطات القيصر ضد أبناء الجماهير الكادحة، وتحدي هؤلاء الشعراء التقدميون والرومانسيون اعتنى سلطة عرفها العالم.

والشيء الأساسي الذي كان يوحد هؤلاء الشعراء، هو عدم الرضى عن هذا الواقع الجائر، والطموح نحو التغيير، وبناء المجتمع الأفضل. وغالباً ما كان الشعراء يستقون مواضيع قصائدهم من تاريخ وطنهم ومن فلكورهم الشعبي. ومن خلالها يمجدون البطولة والغداء والنضال من أجل الحرية وهذا ما نلمسه من خلال قصائد الكسندر بوشكين، وكذلك في قصائد ميخائيل ليرمنتوف وغيرهم.

ومن خلال هذه المجموعة المنتقاة من الشعر الروسي التي بين يدينا يطلع القارئ على الكثير من ميزات الشعر الروسي المنسجم مع عالم الإنسان ومشاكله ومع الطبيعة وميزاتها، ومع الروح الشعبية، وهذا ما سيلمسه القارئ بوضوح في قصائد الكسندر بوشكين وليرمنتوف وكولتسوف وكريلوف وغيرهم من الشعراء.

كما وسيتعرف على أوزانها الشعرية، وعلى السير الشعراء الذين شاركوا مشاركة فعالة في الحركة الثورية عامة، وحملوا بتحقيق الشعارات التي ناضلت هذه الحركة من أجلها. ومن الجدير بالذكر أن العشرينات والثلاثينات من القرن التاسع عشر كانت غنية ليس بالأشعار الرومانسية فقط، بل نشأ في الأدب الروسي اتجاه جديد أخذ يشق طريقه بقوة وتأثير فعالين.